رحلة الخروج من مدني ٦
The Sum of All Fears
مقدمة
توقفت عن الحديث عن رحلة خروجي من مدني لسببين أولهما انشغالي بتوفيق اوضاع الاسرة في مدينة النزوح الثاني و الاخر هو الاطلاع علي كم كبير من رسائل التشجيع و الانتقاد.
يطيب لي اولا ان اشكر كل من وجه صوت نقد او تحفظ فبارك الله في امراة / رجل اهدي لي عيوبي.
و الحقيقة أنا لست بالحكم او الخصم او حتي بطل هذه الرواية الحقيقة إنما أنا شاهد علي ما حدث لي فقط. و هذه شهادتي للزمن و التاريخ.
و الي كل من شجع أشكركم من القلب فأجمل مافي هذه الحياة هو الإنسان و المشاعر الإنسانية الصادقة.
تستوقفني كثيرا كلمة الصادقة في وقت بدأ الكل بالكذب و صدق من قال ان اول ما يقتل في الحرب هو الحقيقة …
و مع موت الحقيقة يظن البعض جاهلا او متجاهلا ان ما يصنع الراهب هو الرداء لا الممارسة و الايمان.
و ان اردت ان يصدقك الناس في وقت الحرب فاكذب و اكذب حتي يصدقك الجميع …
و اعتقد ان ما عشناه في هذه الحرب هو مسلسل من الأكاذيب المعادة حتي صدقها البعض و كثير من سياسة الهروب الي الامام.
اذا سمحتم لي سأعود بالذاكرة الي يوم ال ١٤ من ابريل اي قبل اندلاع الحرب بيوم واحد كنت حينها معزوم علي الإفطار الرمضاني مع منظمة انت حديثا الي السودان لتشارك المنظمة التي استأجرتني كخبير اعلامي.
نعم خبير إعلامي فقد عملت بالاعلام من قبل تخرجي من كلية الطب و مارست العمل الإعلامي في عدد من المنظمات المرموقة و الدولية بالاضافة الي ممارسة مهنة الطب.
و هنا و ما دام هذه هي شهادتي علي ما حدث فدعوني اقولها ان اغلب دخلي المادي كان من عملي في مجال تقنية المعلومات و الاعلام اما الطب فكان مجرد الية رد جميل للشعب السوداني.
فهيثم حفيد عامل دريسة في السكة الحديد
لكن ارض الاحلام سمحت لابن عامل الدريسة ان يصبح استاذاً جامعيا و من ثم ان يصبح ابنه طبيبا. و كل هذا من مال الشعب السوداني الذي نحن نتاج كرمه و كريم عطفه
.
في ذلك الاجتماع الذي منعني من حضور مسلسل جعفر العمدة الذي كنت اعشق كان جل تصوري ماذا سيحدث غدا ان كان هنالك غد.
فالأخبار تتحدث عن نية الدعم السريع دخول قاعدة مروي الجوية و كان الفيسبوك يشع بأخبار عن وجود مقاتلات مصرية و قوات مصرية يجب خروجها من ارض السودان كذلك نشط بعض النشطاء في وسائل التواصل عن الحديث عن ان السودان يجب ان لا يكون ارضا للصراع المصري الاثيوبي.
كشخص متشكك بطبعي كنت اربط ما بين التقارب الكبير بين حركة الدعم السريع و الغطاء الاعلامي من بعض النشطاء و الفاعلين.
خصوصا في ظل التقاربات و التقاطعات التي شهدها الاتفاق الإطاري و الملف الامني.
قبلها في مسامرة مع صديقة من تجمع المهنين كنت قد أبديت ملاحظتي ان الحديث عن دمج القيادة سابق لأونه يجب دمج القواعد اولا بعد حصرها و اذكر اني حينها سالتها ان كانت تعلم او هل قدمت ورقة بحجم او عتاد كل من القوات المسلحة او الدعم السريع فسكتت.
في وقتها و كعادتنا في الفترة الانتقالية انتقلنا من هذا الموضوع الأساسي الي الحديث عن الحرب الاسفيرية بين الصديق عبد الحميد عوض و هيفاء يعقوب. و كيف ان حضور الصحفين المتأخر ضد البرتكول و كيف حضر طه عثمان و معه بعض من ضباط برتكول الدعم السريع و سمحوا ل بعض منسوبي تجمع المهنين بالدخول بعد دخول القادة و لم يسمح للصحفين و ما حدث من تلاسن حينها.
و كيف ان طه عثمان ذهب الي سيارته رافضا الدخول إلا ان دخل زملائه في تجمع المهنين !
في قرارة نفسي كنت احس بان ما سيحدث سيكون كارثي و لكن لم اتخيل ان يكون ما سبحدث بحجم ما حدث.
اظن ان نوايا الأغلبية كانت طيبة و هكذا هو الطريق الي جهنم معبد بالنوايا الحسنة و الطيبة.
عموما اتفق حضور افطار العمل علي اللقاء باكرا للذهاب الي المفوضية لمراجعة بعض اجرات التسجيل .
حينها دون شعور مني اقترحت ان لا يتحرك احد فالوضع الامني ملتهب و قد نشهد انزلاق امني خطير مع هكذا احتقان عليه انصح كمستشار ان لا يتحرك احد حتي نري ما يحدث.
شعوري الداخلي بان شيء سيء سيحدث هو ما دفعني لقول هذا …
لم ترد اي رسالة فيها نصح بعدم التحرك من المنظمات الدولية او السفارات الاجنبية.
عدت ذلك اليوم الي المنزل و جلست أنا و ابن اختي امس نتسامر
كنت ادعوه المعلم انس و هو يدعوني المعلم هيثم …
قبل الحرب كان انس مولع جدا ب فكرة وجود فضائين ماتت هذه الفكرة خلال الحرب.
طلبت من المعلم انس ان يعد كوبا من الشاي و هذه من عادتي ان اطلب من انس بعض الأشياء الاكبر من عمره مثل ادخال السيارة او الذهاب الي السوق و كنت استمتع بردوده العفوية التي تختلق أعذاراً في بعض الأحيان مثل أنا مجهد لا استطيع قيادة السيارة أو أنا طفل صغير لا أقود سيارة …
فأخبرني ان لا شاي بالمنزل فهل يمكن ان نطلب بعض الشاي من الكائنات الفضائية
فأخبرته ان الأسهل شراء شاي من الدكان يا معلم انس … رد سريعا و ان لم يكن هنالك شاي في الدكان سنطلب شاي من الفضائين !
فأخبرته بان السوق مليء بالشاي تضجر حينها و قال الأسهل ان نطلب من الفضائين …
لا ادري اتحققت توقعاتي بتدهور الامر ام تحققت نبوة انس بان الفضائين سيقضون علي الاخضر و اليابس في بلادي و سينعدم الشاي من بعض البيوت السودانية …