رحلة الخروج من مدني ٧

مدخل

“الحرب في أكثر الأمم تعد مبعثا لفساد الخلق وخراب الذمم وهي في الأمم الضعيفة أشد فتكا وأسوأ أثرا ، وواجب المصلحين بعد الحروب أن ينشلوا الأمة من وهدتها وينقذوها من ورطتها”

 أحمد أمين

رغم التوتر في الجو و احساسي المسبق بان الحرب قادمة خصوصا بعض تلويح الكثيرين بها خاصة قادة الحرية و التغيير و الاسلامين ..

 لكني اذكر اني نمت ليلة ال ١٥ من أبريل بشكل جيد …

ريما احساسي الداخلي بانها ستكون الليلة الاخيرة التي سأنام فيها ملء الأجفان.

 او ربما كان ذلك  احساسي بان الحياة بعد الحرب لن تكون كسابقها ؟ 

اليوم و بعد ٩ اشهر و اسبوع  … موعد وضع حمل و ولادة حياة بالكاد استطيع ان أحصي عدد الاسرة التي توسدت و لا استطيع ان أحصي عدد الأغطية التي تدثرت.

و كم من مرة عن الحق سكت او عن كم من حقوقي تنازلت …

هذه الحرب نالت من الإنسان اكثر مما نالت من الاعداء في كل تاريخنا السوداني  …

اعتقد افتقادنا للرشد و الحكمة ايام السلم جعلنا ننسي و نتناسي النبل ايام الحرب.

فالحرب تقبل النبل.

و النبل اسير احلام نازح … و الحق يقال اجمل الاحلام هي تلك التي تأتيك في اول اسبوع من الحرب ان استبقت النظر.

في اول اسبوع للحرب كانت احلامي اليومية حياتي اليومية المملة التي سبقت الحرب.

و ما أروعها من احلام.

اذكر تضجري من حياتي السابقة و اعتقد اني لست الوحيد …

الكثيرون مننا كانوا يتضجرون من الواقع قبل الحرب و يشتكون من رتابة الحياة و ضيق ذات اليد بل بعضهم كان يتمني مفارقة منزله الذي تركه حين نزوح و الان اكبر أحلامه هو العودة الي ذلك الضيق و الملل …

غرباء نحن نحمل اشواقنا داخل حقائب سفرنا …

فان عدنا و افرغنا حقائبنا ذهب الشوق و الرغبة …

صديقتي تحدثني عن مقدار شوقها للوطن و هي من كانت كل يوم تلعن غياب الفرص و تحدثني عن ضرورة الاغتراب ..

كيف تشتاقين  الي هذا الوطن مترامي الضيق ؟ … 

عالم قديم عاصمته السأم بلدة قديمة اضطجع الملل في مركزها …

وتأنى الإنتظار أن يبارح قارعة الطريق التي سكنا دون سقف يقينا زمهرير الصيف و خيبات الهزيمة الا منتهية …

عالم قديم يا صديقتي  …

هرم ربيعه وأنسلت بين طيات ايامه زهوره هاربة في لحظة صفاء ..

وطن بات صحراء…

حياة قاحلة بيداء…

كصفيحة طعام طفل في معسكرات النزوح …

او تلك التي جمعتنا يوماً في ارض الشتات ..

عموما بالعودة الي الذكريات 

ربما كان  احساسي بان ذلك الرمضان سيكون مختلف عن ما سبقه جعلني اغير كثير من عاداتي الرمضانية.

فهذا الرمضان كان مختلف لسفر الوالدة قبل شهر من رمضان و بذلك اصبحت أنا و والدي و عادل فقط قاطني المنزل …

انضم الينا البراء و زرزور و يوسف قبل رمضان بأيام قليلة … اصبح البراء من علامات رمضان في منزلنا فهو حاضر في كل رمضان و اتمني ان يعود رمضان و نحن معا ..

 كان اعداد الوجبات لوالدي مسئوليتي أنا و عادل خصوصا بعد أن تحفظ والدي علي الطباخة التي اتفقت معها … 

فكنا نزين مائدتنا بما تنبت ارض بلادي من قومها و عدسها بالإضافة الي فائض خير اللحوم و السجوك. 

قدمت الي منزلنا قبل يومين من رمضان عاملة منزلية عن طريق الطباخة التي لم يعجب طبيخها والدي …  في الحقيقة عاملة منزلية و جدتها. 

بكل بساطة نزحتا من النيل الأزرق بعد الاحداث القبلية التي شهدها الاقليم.

كالعادة و في توظيف اي عاملة يجب ان تحضر اختي رغدة المعاينة …

فبالاضافة كونها شريك في دفع الراتب رغدة عملية في كل شيء و رسمية في كل شيء إلا التعامل مع أطفالها.

عندما أخبرتني الجدة بانها لم يسبق لها العمل في البيوت لكنها ظروف النزوح  طلبت من رغدة منحهما العمل فورا ..

و سالت الحاجة الكبيرة ان كانت تجيد الطبيخ … فأخبرتني بانها تعد فقط العصيدة و أخبرتها اننا نعشق العصيدة. و الحق يقال لم استسغ العصيدة يوما بل  اني اكره العصيدة جدا لكن حوجة الضيفة و حفيدتها الي مكان يحتضنهم قبل حوجتنا الي العمال كان دافعي …

غريبة هي المجن  تخرج اجمل ما فينا و يمكن ان تخرج اقبح ما فينا …

انتهت المقابلة و اصبح عاملتين بدوام كامل و راتبين … اضطرت ان ادفع راتب الاخري من جيبي الخاص لإن الوظيفية كانت واحدة و رغدة لن تقبل دفع مرتب اثنتين خصوصا مع وضع السودان الاقتصادي السيء في حينها.

استقبلنا رمضان بشكل جديد قمت بشراء فرشات و اتفت مع الجيران علي الإفطار يوميا في الشارع كنوع من التواصل. عادة غبت عنها طويلا 

كانت مائدتنا تحتضن الكل بكل محبة لم نكن ندري ان جارنا من احدي القبائل العربية الدارفورية و الذي كان يعمل كأحد حارس البيوت و كان يساعدني في تجهيز الفرشات و التاكد من اماكن جلوس الكل سيكون اول من يرشد قوات الدعم السريع عن منزلنا و منزل الجيران.

منزلنا الذي يجاور منزل الاستاذة عائشة  الكارب و عند دخول قوات الدعم السريع الي حينا دخلوا منزلنا و منزل الاستاذة عائشة بحجة انها منازل كيزان ! 

و لمن لا يعرف فانا ليبرالي و الاستاذة عائشة الكارب عضو لجنة مركزية في الحزب الشيوعي.

لكنه التنميط في الحرب كل شخص يستخدم لافتة إعلانية القصد منها منحه حق سرقة او نهب بوضع شرعي.

عند بداية الحرب في الخامس عشر من أبريل ظننت كباقي السودانين انها ستستمر ساعات بعدها يمكن احتواء الأمر من قبل الساسة و الضباط كم نحسن نحن السودانين الظن بالساسة …

مخرج عشت كثير من الحروب بطبيعة عملي لكن هذه الحرب مختلفة.

هذه الحرب لم تقتل فيها الحقيقة اول الحرب بل اغتيلت كل القيم و الحقيقة قبل الحرب.

و لي عودة ..

Similar Posts